أنت فليبدأ العبث - محمد صادق


تصاعدت نغمات الأغنية الكئيبة (hallelujah) من حاسوبي الجديد، لم أقصد أن يلعب الحاسوب تلك الأغنية بالذات، لكن أتي دورها بشكل عشوائي في قائمة الأغاني الخاصة بالكتابة.
نظرت لصفحة (الوورد) الخالية في ملل، يتصاعد دخان سجائري الخفيفة التي أكرهها من السيجارة القابعة بين أصابع يدي اليمنى، تحرق ما تبقى من روحي مع شغلتها الصبورة..
أغشت كثافة الدخان ما تبقى من مكتبي الخالي على عروشه الأن..
أخذت حبة من أقراص الدواء بجانبي، بلعتها على الفور دون ماء، لابد أن تصمت ألامي الأن حتى أستطيع الكتابة..
لا أصدق أنني سأكتب كل هذا ثانية..
ذلك الطفل العنيد داخلي يرفض أن يصمت، يزعجني بكاؤه المستمر ورغبته في كتابة هذه الرواية..
حاربته كثيرا حتى لا أكتب هذه الرواية بالخصوص..
لكنه لا يتركني أهدأ ولو قليلا، يحارب قراراتي فأخسر راضيا مهما زادت مقاومتي..
استسلمت له بعد شهور من المقاومة، رغم كراهيتي لإعادة حرف واحد مما كتبت. في المعتاد أكتب الرواية مرة واحدة فقط وأترك مشاعري لما تسطره روحي، وعندما أخط كلمة (تمت) لا أنظر للرواية ثانية،مهما رجوني أن أعدل فيها ولو قليلا، أشعر أنه حق القارئ-أنت-أن ترى العمل بأخطائه وهفواته وسذاجته وصدقه وإحساسه، حتى تستطيع أن تقيم كاتبك المفضل بإحساسه هو، لا بإحساس تم تعديله ألاف المرات..
ربما لهذا السبب أجلس الأن على الأرض، وحيدا تماما بوجه مشوه، لا يوجد رجل في مثل عمري يستسلم لطفل داخله وينصاع له صاغرا في كل مرة..
ولهذا تجدني الأن أكتب هذه الرواية على حاسوبي الجديد للمرة الثانية، وبيد واحدة فقط، يدي اليمنى التي بدأت تئن من كثرة إستخدامي المفاجئ لها، تشكو إلى حالها بألام ربة بيت مستنزفة في واجبات منزلية، أسمعها ترجوني أن أعود ليدي اليسرى التي إعتمدت عليها طوال حياتي...
عزيزي القارئ..
أعرفك بي ياصديقي، أنا (حازم كتخذا).. لا تفهم الإسم؟ ابحث عنه ولا تزعجني بتفاصيل مرهقة..
أنا في المحطة الثالثة والأربعين من قطار العمر البارد، ولم يؤذن لي بالنزول بعد..
كتبت كل شيء أعشق كتابته، وصلت لكل الأحلام التي يتمناها أي كاتب في عمري، لي أربعة أفلام ومسلسلات وثلاث مسرحيات، كلها بإسماء رواياتي، أكثر من أربعة ملايين متابع على صفحتي الرسمية يعشقون ما أكتب، رويت كل الأفكار العنيفة التي تصارع ذرات عقلي، كتبت عن ألامي، وعن الأخرين كما أراهم، طرحت فلسفتي الخاصة التي يهاجمني عليها الجميع. ويبقى لي دائما السؤال الأبدي الذي يجعل من كل إنجاز جديد همًا سخيفا:
ماذا بعد؟